السيد نضال حمد لمنتدى فلسطين عمري

السيد نضال حمد لمنتدى فلسطين عمري:

في مثل هذا اليوم 25 أيار 1963 ولدت في بيت متواضع بمخيم عين الحلوة أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ، والذي يطلق عليه سكانه وأحبابه اسم عاصمة الشتات. ومخيم عين الحلوة الذي لم تضق به الحياة بالرغم من كل التضييقات الشقيقة والمعادية ، ظل وسيبقى قلعة للثورة المستمرة حتى العودة الى كل فلسطين. في عين الحلوة وفي سنوات طفولتي شاهد...ت الراحل العظيم ، الحكيم جورج حبش وهو يخطب بالأطفال والشباب والنساء والرجال والشيوخ يحثهم على الكفاح والصمود لأجل العودة والتحرير ورفض المشاريع الاستسلامية التصفوية. وهناك هتفت مع من هم اكبر مني سنا في التظاهرات : اطلب يا حكيم عندك مليون جيفارا .. جبهة والرفض كلهم رهن الإشارة.


وفي عين الحلوة عرفت كيف يكون التواضع فلسطينيا عند القادة حين رأيت والتقيت بالراحلين الكبيرين أحمد اليماني أبو ماهر ، احد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وطلعت يعقوب الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية. ومن تفاني وتواضع وكبرياء ابن مخيمنا الشهيد ناجي العلي ، الفنان الكبير ، المناضل الشهم والشجاع والجريء ، الذي لم يتنازل ولم يتراجع عن مواقفه. من ناجي العلي وفي رسوماته اليومية تعلمنا كيف نواصل المسيرة ونعتز بالبنادق المقاتلة عنوان الصراع مع أعداء هذه الأمة ومغتصبي فلسطين. هذه البنادق التي لم يعرف استخدامها أو يحملها في يوم من الأيام قادة المصادفة. هؤلاء الذين يقودون منظمة التحرير الفلسطينية هذه الأيام. هؤلاء الذين لا يعرف بعضهم ما هو شكل المخيم إلا من خلال مشاهدة التلفاز أو عبر الصور التي تنشر في الميديا والإعلام.


لقد مر المخيم من سنة 1982 وحتى يومنا هذا بحروب ومعارك طاحنة من كل الأشكال والأصناف ، أسوأها لم يكن الحصار الصهيوني في صيف سنة 1982 الذي استمر 24 يوما متتالية أكد خلاله أبناء عين الحلوة أنهم جندٌ من رجال الله وفلسطين في الميادين. تلك الحرب الهمجية لم تكن سيئة للغاية ، لكن الأسوأ هي حروب التصفيات الداخلية ما بين الفلسطينيين أنفسهم وبتدخل من كل أنواع المخابرات المحلية والإقليمية. هذه الاطراف التي دخلت على خط الخلافات والتصفيات في المخيم.


لم يكن مخيمنا في يوم من الأيام غابة للبنادق ولا "طورا بورا" للمجاهدين الإسلاميين أو للقاعدة ومشتقاتها، بل كان دوما بوابة للوحدة الوطنية وللتسامح والتعاطي الأخوي والرفاقي بين كل أهله وناسه ومقاتليه. حتى أن الجهاديين في المخيم يعرفون ذلك و يعوون أن للمخيم حدود وتوازنات لا يمكن تخطيها ، وأكبر هذه الحركات في عين الحلوة أي عصبة الأنصار وعت ذلك بعد فترة مد وجزر واشتباكات عنيفة مع فتح ومشتقاتها. لكن جماعات أخرى صغيرة واقل حجما وتأثيرا لم تعي لغاية الآن خطورة ما يطبخ على نار هادئة للمخيم. أو أن الذين يحاربونها لم يعوا أو انهم يعملون بقوة دفع خارجية على توتير الأوضاع معها في المخيم. قبل أيام كثر الحديث عن خروج هذه العناصر من المخيم وان قبلتها طرابلس فسوريا. لا أحد لغاية الآن يستطيع تأكيد ذلك. مع اننا نتمنى ان تكون وجهتم فلسطين المحتلة حيث للجهاد قداسة خاصة.

على الشارع وفي الزواريب والأزقة والحارات التي عرفت فيها طفولتي ومراهقتي يتواجد هؤلاء القوم وتتواجد أقواما أخرى من الحركات والجماعات والتنظيمات التي صعدت الى الواجهة بعد 1982 على حساب منظمة التحرير الفلسطينية التي فقدت مكانتها وريادتها وقيادتها للمخيمات. بسبب تراجعها وضعفها وانخراطها في سلام الشجعان وتركها المخيمات ساحة للصراعات ولتصفية الحسابات.

علقت المخيمات بين نارين، نار القوانين اللبنانية الجائرة والعنصرية ونار التخلف والجهل والتشدد التي اشتعلت ولم تجد لغاية يومنا هذا من يقوم بإطفائها. خاصة مع غياب المرجعية الفلسطينية الحقيقية.
في عين الحلوة تكاثرت الحركات الدينية وتكاثر المطلوبون للدولة اللبنانية سواء بحق أو بدون حق ، ظلما وعدوانا أو لأسباب قانونية وجنائية . فمحاولات المخابرات اللبنانية تجنيد الشبان الفلسطينيين للعمل لحسابها أوجدت مئات المطلوبين الذين رفضوا أن يكونوا مخبرين وعملاء ضد مخيماتهم وأبناء شعبهم وقضيتهم. فمنهم من تحول الى إسلامي متشدد وأطلق العنان للحيته ولبس اللباس الأفغاني الدخيل على مجتمعاتنا ومخيماتنا وامتشق بندقيته وصار في عداد المطلوبين بتهم جديدة. هذا الشيء على ما يبدو يروق للدولة اللبنانية التي تريد محاصرة المخيمات وخنقها وإجبار الفلسطينيين في لبنان على الهجرة الى أي مكان آخر في الدنيا بغية إفراغها وإنهاء أو منهم من شهب الى العراق لقتال الاحتلال الأمريكي واستشهد هناك. هكذا حصل مع الشهيد أبو سمرة أحد أنجب أبناء المخيم ، الذي حاولت المخابرات اللبنانية تجنيده للعمل لحسابها فرفض والتزم بالمخيم ثم وصل الى العراق حيث استشهد في عملية ضد قوات الاحتلال الأمريكي.
لبنان الرسمي ضد الفلسطينيين وضد وجودهم المدني وليس فقط ضد وجودهم المسلح وسلاحهم الذي وجد لحماية المخيمات ولمنع حصول مذابح جديدة مثلما حصل في مخيمات صبرا وشاتيلا وتل الزعتر . ومثلما حصل في فترة ما عرف بحرب المخيمات والتي استمرت نحو ثلاث سنوات ، لم يجد الفلسطينيين فيها سندا لهم سوى حزب الله ، الذي وقف علنا الى جانبهم وضد حركة أمل التي قادت المعركة ضدهم وفرضت الحصار عليهم لأسباب تافهة.

بعد انتهاء حرب المخيمات تحالف بعض الفتحاويين من أبناء المخيمات مع محاصريهم ضد حزب الله ، ولكنهم عادوا وتابوا بعدما عرفوا أنهم كانوا من الضالين. في هذه المعركة الجانبية الخاطئة ، شخصيا خسرت رفيقا وصديقا لا أعرف ما الذي دفع به ليذهب الى حتفه هناك. كان رفيقي أبو بشير من أفضل المقاتلين الذي تربوا تربية ثورية سليمة في تنظيم جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة القائد المبدئي الشهيد طلعت يعقوب ، هذا قبل ان يتحول الى حركة فتح حيث وافته المنية في المكان الغلط ونعته فتح ففقدناه وخسرناه.

في عين الحلوة وفي حروب التصفيات التي شهدتها أزقة وحارات وزواريب وشوارع طفولتي امتدت أيدي العملاء والغدر والخيانة فاغتالت مجموعة كبيرة من أنجب الأصدقاء والرفاق من أبناء المخيم . منهم البطل المقدام زاهر السعدي ، مؤسس منظمة محكمة الشعب تحت الاحتلال الصهيوني لمخيم عين الحلوة ، ورفيق القائد وديع حداد ، وخريج تلك المدرسة الثورية العظيمة ، التي أنجبت مقاتلين يعتز بهم وبهن شعبنا الفلسطيني. في نفس العملية الجبانة سقط أيضا صديقي ورفيقي منير السعدي الشقيق الأكبر لزاهر ، والذي كان طيبا ووديعا وهادئا ومناضلا صامتا قضى حياته كلها لأجل خدمة القضية الفلسطينية ومن أجل العودة والتحرير.
وفي معارك الدفاع عن عروبة لبنان ولحماية المخيمات ، وفي المواجهات العسكرية وعلى خطوط القتال مع الأعداء صهاينة ومتصهينين قدم مخيمنا شهداء كثيرين اذكر بعضهم : علي سليم أيوب ، محمد علي يوسف ، أحمد شريدي ، محمد عبدالله شرارة ، جيفارا موعد، محمد راجي اللافي ، عبد حمد ، طارق حمد ، حاتم حجير ، تيسير الشايب ، جمال زعطوط ، سهيل وهدي خريبي , ابو الروس ، شربل البني ، غسان كايد. وآخرين تعدادهم بالمئات أو بالآلاف. المجد لهم كلهم لأنهم حموا المخيم وردوا عنه الأعداء وصانوا البندقية المقاتلة و ذهبوا عائدين شهداء الى فلسطين الكاملة.

كان المخيم شيئا غير عادي ومازال لكل الذين عاشوا فيه عرفوه وأحبوه ..

كان مخيم عين الحلوة مدرستنا الثورية الأولى التي لا تقل أهمية عن مدارس القلوب التي تحمل فيها فلسطين عربية حرة مستقلة من النهر الى البحر.

وسيبقى المخيم هو المكان الأجمل في هذه الدنيا حتى العودة الى فلسطين الحرة
وسيبقى السلاح الفلسطيني في المخيمات ضمانة لحمايتها من المؤامرات والمخططات ومنعا لحدوث مجازر ومذابح مثل تلك التي شهدتها مخيمات لبنان من تل الزعتر مرورا بصبرا وشاتيلا وصولا لنهر البارد. أما الذين يطالبون بسحبه وعلى رأسهم رئيس سلطة رام الله الذي صرح لجريدة النهار اللبنانية يوم أمس ان السلاح الفلسطيني في لبنان سواء داخل أو خارج المخيمات هو سلاح غير شرعي. تقول له المخيمات لن نسمح لك بنزع سلاحنا الذي أوصلك أنت ومن معك الى مركز القيادة ، فالدماء التي سالت ونزفت في هذه المخيمات هي التي صانت وحمت منظمة التحرير الفلسطينية من الانهيار والانهزام تماما. وهي التي حافظت على ما تسمونه اليوم القرار الفلسطيني المستقل والشرعية والممثل الوحيد. وهي التي مازالت تمثل رمز حق العودة وكذلك حق الكفاح المسلح والمقاومة.

كان الأجدر برئيس السلطة ان يلتفت لمعاناة الفلسطينيين في مخيماتهم ولجم الذين يخلقون المشاكل والإشكالات من أبناء فتح في عين الحلوة وغيره من المخيمات. ووقف تزويدهم بالمال والعتاد والصلاحيات . فالمال يجب أن يوزع على فقراء المخيمات وان يتم استخدامه لبناء المؤسسات والمستشفيات والأندية الثقافية والمدارس والحضانات. لا لشراء السيارات الحديثة والشقق الفاخرة وللتبذير على شخصيات ليست ذات احترام في صفوف أبناء المخيمات. نعم هناك سلاح لعصابات ترتكب المشاكل والمخالفات والتصفيات في المخيمات هذا يجب سحبه لكن سلاح المدافعين عن حق العيش بكرامة وبحرية وبدون حصارات ومذابح ومجازر ومن أجل العودة الى فلسطين ، هذا السلاح يجب ان يكون عنوانا للفلسطيني حتى العودة الى فلسطين. أما سلاح الفتنة والتشبيح والزعرنة والاستعراضات هذا يجب ان يكون مصيره الزوال.

في يوم ميلادي وهو يوم انتصار المقاومة في لبنان على الاحتلال الصهيوني أتمنى لعين الحلوة الذي شهد ولادتي وولادة أجيال عديدة من المقاومين لأجل فلسطين ، أتمنى له ان ينظف ساحته من كل قذارات المرحلة ، ومن كل الاستعراضيين والمتسلقين على عظام الشهداء ، والذين يصرخون من فتحات الجراح في قمصان الشهداء أنهم القرار. هؤلاء يقول لهم سكان المخيم لا ، فالقرار هو للذين ينجبون زعترا ومقاتلين وفدائيين لا يتعبون همهم فقط تحرير فلسطين كل فلسطين