في شبكة التوتّر التي تهدّد بانفجار في المرحلة المقبلة، يبدو مخيّم عين الحلوة بمثابة المركز. وتوحي المعطيات الأخيرة فيه بأنّ هناك من يريد إبقاءَه الفتيل الأمثل «للاستعمالات كافّة».
طوني عيسى - الجمهورية:
تخشى مصادر فلسطينيّة أن تكون النار ما تزال كامنة تحت الرماد، بعد الاشتباكات التي تَسبَّب بها اغتيال مرافقين لقائد الكفاح المسلّح في المخيّم، اللواء محمود عيسى المعروف بـ"اللينو". وتعتبر المصادر أنّ الرسالة التي أراد بعض القوى الإسلاميّة توجيهها هي: لن نقبل بتسليم أمن المخيّم إلى "فتح"، ولو كان ذلك يتمّ تحت عنوان المصالحة مع حركة "حماس".
فحتّى اليوم، بقي المخيّم ساحة مفتوحة تتحرّك فيها ومنها وإليها كلّ القوى الفلسطينية وغير الفلسطينيّة المتداخلة، ومن خلاله يتمّ إيصال الرسائل، ولن نسمح بإنهاء هذه الحالة. وفي عبارة أخرى، لن نقبل بـ"إعدامنا" سياسيّاً وأمنيّاً في المخيّم، وتالياً على الساحة اللبنانيّة.
"القاعدة" قاسم مشترك
سبق للكفاح المسلّح أن بدأ، تزامُناً مع المصالحة الفلسطينيّة، ضبط الفلتان في عين الحلوة. وأدّى ذلك إلى صدامات وإشكالات أمنيّة متفرّقة. ففي آب الفائت، جرت مواجهة بين أحد مرافقَيْ "اللينو" اللذين جرى اغتيالهما، أشرف القادري، وأحد المحسوبين على التيّارات السلفية، وهو من آل غيطاني، إلى إصابة الثاني بجروح. ثمّ جرت حوادث أخرى أدّى بعضها إلى وقوع إصابات. وهذا يعني أنّ القوى الإسلاميّة المتعدّدة الارتباطات الخارجيّة ترفض إقفال باب الفوضى وحصر المرجعيّة في المخيّم. فيما تلتزم "حماس" سياسة أقرب الى النأي بالنفس، لسببين: أوّلاً، لأنّها أيضاً لا تريد تسليم كلّ أوراقها في المخيّم لـ"فتح" وحدها، وثانياً، هي لاتريد إحراق علاقتها بالكامل مع هذه القوى الإسلاميّة التي لطالما كانت رديفة لها، لمصلحة الوفاق مع "فتح".
المصادر الفلسطينية تقرأ المظاهر الأمنيّة، من إطلاق "الكاتيوشا" على الجليل، إلى ضرب "اليونيفيل" في صور، والاعتداءات ذات الطابع الإرهابي السلفي في المدينة وفي صيدا أحياناً، ومن ثمّ الإعلان عن نشاط لتنظيم "القاعدة" في لبنان، ضمن سياق واحد. فقد كان الإعلان عن تبنّي "كتائب عبدالله عزّام ـ جهاد القاعدة" عمليّة إطلاق "الكاتيوشا" له مغزاه في الربط بين سلسلة الأحداث جنوباً وعلى الحدود الشرقيّة والشمالية.
«إستقلال» المخيّم مصلحة للجميع
لمصلحة مَن تريد هذه القوى الإسلاميّة الضعيفة التمثيل شعبيّاً، الاحتفاظ بهامش للحركة، بعدما عزَلَها التوافق بين "فتح" و"حماس"؟
في الدرجة الأولى، تقول المصادر، هناك مصالح شخصيّة لكوادر هذه القوى والتنظيمات في الاحتفاظ بدور في المخيّم. لكنّ هناك سياقاً إقليميّاً يشجّعها على ذلك، ويقدّم لها الدعم. وفي الترجمة السياسية، المسألة مرتبطة بالتطوّرات الجارية في سوريا، حيث عنوان "القاعدة" و"الإرهاب الأصولي" كان دائماً مادة استثمار على الطاولة.
من مصلحة دمشق أن تشجّع النظرية القائلة بوجود نشاط لـ"القاعدة" وملحقاتها في لبنان، من منطلق الموقف السوري الكلاسيكي القائل بضرورة دعم المجتمع الدولي لاستمرار نظام يتولّى مواجهة الإرهاب. وقد جاء تفجيرا دمشق يدعمان هذه النظريّة. كما يهمّ دمشق إيصال رسالة قويّة إلى الفلسطينيّين، مفادها أنّها لا تزال قادرة على لعب أوراق فلسطينية. وقبل أيّ شيء، تريد دمشق تكريس قدرتها على لعب ورقة الأمن، كما السياسة، في لبنان على رغم خروجها العسكري منه قبل نحو 7 سنوات. وهي اليوم في أمسّ الحاجة إلى استخدام هذه الورقة لإدارة أزمتها الداخليّة.
لذلك، يقول بعض المصادر: في المرحلة الآتية، لتكن العين مصوّبة نحو عين الحلوة، فهي عاصمة للساحات والرسائل.
وسيكون مطلوباً منها الاضطلاع بدور محوريّ في الصراع الإقليمي الحاسم. وقد يصبح نموذج نهر البارد مفروضاً على السلطة في لبنان. لكنّ تجربة نهر البارد تمّت في ظلّ سلطة لبنانيّة أخرى، وقد لا يكون متوافراً تكرارها. كما أنّ "فتح" نفسها، ومثلها "حماس"، قد لا تكونان في وارد القبول بتجربة قاسية في المخيّم الوحيد الذي ما زال يملك فيه الفلسطينيّون "إستقلالهم".
وهذه المعطيات ترشّح المخيّم ليبقى فتيل التفجير المفتوح، والمتفلّت من أيّ ضوابط أو مرجعيّة، إلى أن تُحسَم الخيارات وتتبدّل المعادلات الكبرى في المنطقة.