شهد مخيم عين الحلوة في الأيام القليلة الماضية سلسلة من التوترات في عدد من أحيائه، توجت أمس باغتيال المرافق الشخصي لنائب قائد الكفاح المسلح (التابع لمنظمة التحرير) العميد محمود العيسى المعروف بـ«اللينو»، أشرف القادري، في دكانه. وما سهل عملية اغتياله، كما يقول أحد مسؤولي حركة فتح، «انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة». الشاب الثلاثيني قتل في حي الصفوري، غير بعيد عن منزل اللينو. العملية عُدّت تصعيداً خطيراً، وخصوصاً أن المنطقة معروفة بأنها مربع أمني لحركة فتح، ولا يمكن أي «عاقل أن ينفّذ عملية اغتيال فيها؛ إذ إنها تتطلب فرقة كوماندوس للقيام بذلك»، كما يقول أحد المقربين من التنظيمات الإسلامية. ويلفت المصدر إلى وجود كاميرات مراقبة ترصد أي تحرك في الحيّ. المرافق الذي اغتيل، يتهمه تنظيم «جند الشام» المنحل بإطلاق النار على أحد عناصره، قبل أن يتعرض مرافق القائد العام للكفاح المسلح صبحي أبو عرب، لمحاولة اغتيال أصيب فيها بثماني طلقات نارية.
عملية الاغتيال التي وقعت أمس، خلفت اشتباكاً جرى احتواؤه سريعاً، من دون أن يُحتوى التوتر في المخيم، المتراكم بسلسلة من التفجيرات ضربت المخيم؛ إذ انفجرت أول من أمس قنبلة يدوية أدت إلى تضرر سيارتين. التهمة أُلصقت بالقوى الإسلامية، وتحديداً بعناصر «جند الشام». قبلها، انتشر في المخيم بيان يحمل توقيع مجموعة إسلامية جديدة أطلقت على نفسها اسم «أنصار الإسلام». البيان لم يوزع، بل رميت بعض النسخ منه في الأزقة الداخلية للمخيم. هذه النسخ سلمت لمسؤولي الفصائل الفلسطينية والقوى الإسلامية لمعرفة الجهة التي تقف وراءه. «أنصار الإسلام»، بحسب بيانهم، هددوا مباشرة ثلاث فئات موجودة في المخيم، هي: «تجار المخدرات، أصحاب الدعارة ومموّنو الخمر والعملاء والجواسيس». واقعة دفعت مسؤولي التنظيمات الإسلامية قبل غيرهم من الفصائل الموجودة في المخيم إلى الاجتماع لمعرفة إن كان لهذه المجموعة الجديدة أي وجود فعلي على الأرض.
التنظيمات الإسلامية درست البيان جيداً، وفي الخلاصة، استبعد المجتمعون أن يكون لهذه المجموعة أي وجود فعلي على الأرض، ورأوا أنّ من ألقى البيان يهدف إلى «زعزعة استقرار المخيم وأمنه، وخصوصاً أن المخيم شهد قبل توزيع البيان حالة من الهدوء»، يقول الشيخ جمال خطّاب، مسؤول الحركة الإسلامية المجاهدة. الشيخ خطّاب، الذي يعدّ الأب الروحي للمجموعات الإسلامية في المخيم، استبعد وجود مثل هذه المجموعة؛ لأن «المخيم مثل القرية الصغيرة، ونحن نعرف تحركات بعضنا جيداً ولا يمكن أن تنشأ أي حالة جديدة في المخيم من دون معرفتنا بذلك».
تحليل المجتمعين لهذا البيان كان أنّ «شيئاً ما يُعدّ للمخيم، وستُلصق هذه التهمة بالقوى الإسلامية»، يقول خطّاب.
هذا ما حصل فعلاً، ذلك أنه بعد أيام من نشر البيان، انفجرت عبوة في سوق الخضر داخل المخيم، ما أوحى بأن «أنصار الإسلام» بدأوا بتنفيذ تهديدهم. فتحت الفصائل تحقيقاً خاصاً بها، فتبيّن أنّ عامل التنظيفات نقل العبوة من مكانها الأساسي في أول السوق لتنفجر في العربة التي كان يجرّها. الانفجار أدى إلى إصابة 6 جرحى، أغلبهم «معروفون بالتزامهم الديني»، كما يصفهم خطّاب.
اجتمعت القوى الإسلامية مجدداً، وخصوصاً أنه سبق الانفجار حوادث «فردية»، مثل حرق مقر إحدى الجمعيات الإسلامية وسيارة يملكها أحد الشباب الإسلاميين. خلال التحقيقات، استدعي بعض عناصر تنظيم «جند الشام»، الذين صودف مرورهم في السوق قبل الانفجار وبعده. بعد التحقيق مع هؤلاء، الذين رصدتهم كاميرات المراقبة، تبيّن أن لا علاقة لهم بالعبوة، وأن وجودهم في تلك المنطقة كان محض صدفة. أما بالنسبة إلى التحقيقات التي أجرتها بعض التنظيمات الإسلامية، فقد أظهرت النتائج أن العبوة لم تكن تستهدف شخصية محددة، فهي «وضعت في مكان عام ولم يكن الهدف منها الاغتيال، بل كانت تهدف إلى زعزعة الأمن» كما يؤكد خطّاب.
إضافة إلى ذلك، يؤكد خطّاب وجود تعاون مع الدولة اللبنانية من خلال لجنة المتابعة في المخيم، مشيراً إلى أنه «عند البحث عن عبد الغني جوهر الذي قيل إنه في المخيم، دهمت القوى الفلسطينية البيوت التي أشارت إليها استخبارات الجيش، إلا أننا لم نجده. وإذا كانوا يعرفون مكانه في المخيم فليخبرونا وسنسلمه لهم».
حادثة العبوة، بالإضافة إلى أنباء عن تحصينات يقيمها بعض عناصر «جند الشام» في حي حطين وتجمع الطوارئ، أعادا ملف هؤلاء إلى الواجهة مجدداً على الصعيدين اللبناني والفلسطيني، وذلك بعد ما تناقلته بعض المواقع الإلكترونية من أن «عصبة الأنصار» أعلنت أنها سترفع الغطاء عن بعض عناصر «جند الشام» إذا أظهرت التحقيقات أنهم متورطون في عبوة سوق الخضر.
وما أسهم في زيادة الاعتقاد بهذا الاتجاه هو القول بأن البيان الذي وزع باسم «أنصار الإسلام» والعبوة، ما هما إلا خطوة جديدة من بعض عناصر ما كان يسمى «جند الشام» لإعادة إحياء نشاطهم. لكن بعد المتابعة والتحقيقات مع بعض هؤلاء، تبيّن أن لا علاقة لهم بالبيان ولا بالعبوة. ويقول مسؤول فتحاوي في المخيم إنه «يوجد من يراقب تحركاتهم كما تجري متابعتهم مباشرة، وأكثر عناصر جند الشام خطورة كانوا في الفترة الأخيرة هادئين».
من جهته، ينفي خطّاب أي وجود «لما يسمى جند الشام أو فتح الإسلام في المخيم»، مشيراً إلى أن هذه الحالات انتهت، وعناصر جند الشام «انضموا إلى عصبة الأنصار وهم منضبطون بقرار العصبة. أما من كانوا من أبناء مخيم عين الحلوة في تنظيم «فتح الإسلام»، فهم لا يخرجون من بيوتهم، حتى إننا لا نراهم».
ورغم تأكيد خطّاب أن الأمور لا تزال تحت السيطرة، يخشى مسؤولون فلسطينيون وآخرون لبنانيون متابعون لشؤون المخيم، أن يُعاد السيناريو ذاته مجدداً في عين الحلوة:
توتر يؤدي إلى انفجار أمني أو عسكري، ثم مصالحة بـ«تبويس اللحى»، ثم تكرار الدوامة ذاتها.
( الأخبار )