استحوذ الغضب عليه، واستعمر الشيطان خلاياه، واجتاحته رغبة عارمة في
التخلص من صراخها، بعد أن انفجرت في وجهه، وأخذت تقرعه من دون توقف.
كانا دائمي الشجار، على ما بينهما من علاقة حب، وكانت في حال غضبها، توجه
له كلاماً أقسى من الرصاص، وأكثر حدة من حد السيف، وفي تلك الليلة، وفيما
كانا معاً في سيارته المتوقفة، في موقف الصقور، على مقربة من مضمار
سباقات الهجن، في منطقة ند الشبا، كان غضبها أشد جموحاً وطيشاً.
صرخت فصرخ، وجه لوجهها صفعة فانقضت عليه، فما شعر إلا بيديه تضغطان بكل ما أوتي من قوة، على عنقها، حتى أصبحت جثة هامدة.
لم يساوره تأنيب الضمير، تنفس الصعداء بارتياح، وألقى على الجثة المسجاة، إلى جواره نظرة، ثم تمتم: الآن سأتخلص منك إلى الأبد.
أدار محرك السيارة، متوجهاً إلى طريق دبي العابر، حتى يمهل نفسه فرصة
التفكير المتأني، حتى رأى فتحة للمجاري بالقرب من مطار المكتوم الدولي،
وسرعان ما التمعت الفكرة الملعونة في عقله.
أوقف السيارة بهدوء، متستراً بالليل الكثيف، ثم سحب الجثة وألقى بها في
الفتحة، معتقداً بأنها ذهبت إلى حيث لا يمكن لأحد أن يجدها، ومن ثم يفر
بجرمه.
اختفت القتيلة بالفعل، لكن الجريمة ظلت تلاحقه، ليس فقط في كوابيس الليل وخيالات اليقظة المرتعشة الخائفة، وإنما أيضاً في الواقع.
صديقة المجني عليها، حررت بلاغاً في مركز شرطة الراشدية، وبدأت عملية البحث.
دارت الشبهات حوله، وضاق الخناق عليه، وسرعان ما اعترف بالجريمة.
وأمام محكمة الجنايات أمس، أفاد ملازم أول من الشرطة، بأن المتهم اصطحبه
إلى حيث ألقى بالجثة، ولما رفع الغطاء عن فتحة المجاري، انبعثت رائحة
كريهة، وأكد تقرير الطب الشرعي أن الخنق كان سبب الوفاة.
المتهم الذي يبلغ من العمر 29 عاماً، بقي صامتاً واجماً، ولم ينف ما أسند
إليه من تهمة القتل، ومن ثم حكمت عليه المحكمة، بالسجن المؤبد.