محمد صالح - السفير:
طرحت الأحداث الأمنية التي عاشها ويعيشها مخيم عين الحلوة في الأيام الأخيرة جملة من الأسئلة وصلت إلى حد التخوف من «نهر بارد جديد»، وسط رهن حوالى ثمانين ألف نسمة من أهل المخيم على وقع الاغتيالات ومحاولات الاغتيال المتكررة في ضوء النهار، وفي الأسواق الشعبية والطرقات، وفي ظل استمرار إطلاق النار وسماع الرصاص بين الفينة والأخرى، مما تسبب بنزوح بعض الأهالي من الفلسطينيين، والمقيمين بجوار المخيم نحو مدينة صيدا.
وتوتر الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة ظهر أمس توتراً غير مسبوق إثر قيام مجهولين باغتيال عامر فستق، أحد مرافقي قائد الكفاح المسلح محمود عبد الحميد عيسى «اللينو»، جهارا. وأمطر المعتدون فستق بوابل من الرصاص، مما أدى إلى وفاته على الفور في أكثر الأسواق ازدحاما في المخيم، في سوق الخضار، قبل أن يفروا إلى جهة مجهولة. وعلى الأثر نقلت جثة فستق الى مركز لبيب الطبي في صيدا.
ومع الاغتيال الثاني في ظرف أربعة أيام (القادري ومن ثم فستق)، لا يكاد يمر يوم إلا ويشهد مخيم عين الحلوة حدثا أمنيا أو أحداثا مشبوهة تعيد خلط الاوراق من جديد. وأمس، عانى أهالي المخيم، في أرجائه كافة، من حال من الفوضى الامنية تشبه حرب العصابات، بحيث باتت قيادات وكوادر «حركة فتح» و«الكفاح المسلح» هدفا سهلا للتصفية من قبل جهة تتهمها فتح بالقيام بالأمر، وتطلق عليها توصيف «فلول» جند الشام وفتح الاسلام أو «أنصار الإسلام».
وأكدت مصادر لجنة المتابعة في المخيم «أن الوضع في عين الحلوة أصبح خطيراً جدا، وبات لا يحتمل وانه قاب قوسين أو أدنى من الانفجار الكبير، والذي قد يكون على شاكلة ما انتهى اليه مخيم نهر البارد، لأن أحدا لا يعرف متى ينفد صبر فتح، والى متى سيبقى الكفاح المسلح يعض على الجرح».
وعلى الفور توتر الوضع الامني في المخيم برمته وشوهدت حركة استنفارات وانتشار مسلح كثيف من قبل أنصار فتح، وتسبب الحادث بانتشار حالة من الذعر والهلع، وبموجة من النزوح، وأقفلت المحل واتخذ الجيش اللبناني إجراءات أمنية عند مداخل المخيم. وبعد اقل من ساعة، وخلال جولة لأحد قادة الكتائب في فتح، ويدعى طلال البلوني، المعروف باسم «طلال الأردني»، تعرض لمحاولة اغتيال في آخر سوق الخضار عبر كمين نصب له. وأطلق مجهولون النيران على البلوني من مسافة قريبة، مما أدى إلى إصابته بجراح مع أربعة من مرافقيه، عرف منهم يوسف احمد السعدي. ونقل المصابون إلى مركز لبيب الطبي، ووصفت حالة السعدي بالحرجة جدا، كما جرح في الكمين ثلاثة مدنيين.
يذكر أن هذا الاغتيال هو الثاني الذي يستهدف مرافقي «اللينو» في أقل من أسبوع، وكان الاغتيال الاول قد استهدف قبل اربعة أيام أشرف القادري في حي الصفوري. كما وقع إطلاق نار صباح أول أمس السبت في حي الطوارئ، وأسفر عن إصابة أحد عناصر «جند الشام» ويدعى احمد عبد الله.
ويؤكد شهود عيان ان الوضع في المخيم «بات على كف عفريت»، وان الأمن بات متفلتاً الى أقصى الحدود. وقد تدخلت الجهات والمراجع الامنية لتهدئة الوضع في المخيم، وفي مقدمها مسؤول فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد علي شحرور الذي أجرى سلسلة اتصالات مع الفصائل وقيادات المخيم من أجل التهدئة، وتبريد الموقف. وشملت الاتصالات «حركة فتح» و«اللينو» و«عصبة الأنصار» ولجنة المتابعة.
في المقابل، شددت مصادر مطلعة في صيدا على «أن ما يحصل في عين الحلوة من أحداث واشتباكات أمنية شبه يومية يسترعي الانتباه والتوقف عنده، خاصة أن ما يجري في المخيم ليس منعزلا عن محيطه، وهو قد يكون مرتبطا بأجندة خارجية، إضافة إلى أن عين الحلوة ليست جزيرة منغلقة». ودعت المصادر الى «معالجة ما يحصل في المخيم بالسرعة القصوى، ووضع حد لما يجري فيه، ووقف النزف اليومي، وإنهاء حالة التوترات الجوالة، بعد أن بات ذلك ينعكس سلبا على أوضاع أكثر من ثمانين ألف لاجئ يعيشون في المخيم».
وحذرت المصادر كل الفصائل الفلسطينية الوطنية والقوى الاسلامية من ان عين الحلوة قد يصبح «نهر بارد جديداً» بعد التمادي في حالة الفلتان، وسيادة أوضاع تثير الفوضى والتوترات في المخيم، وبعد ان تمكنت هذه المجموعات من نقل التوتر والاغتيال من أول المخيم الى آخره في الليل كما في النهار، وفي ساعات الذروة وفي أكثر الطرقات والاسواق ازدحاما، وبعد ان راحت تثبت قـــدرتها على استدراج العمليات المشبوهة، واختراق المربعات الامنية ان للقوى الاسلامية أو تلك العائدة لـ«حركة فتح» في أي وقت.
ودعت المصادر القوى الفلسطينبة الى «عدم التصرف حيال ما يحصل في المخيم كالرجل المريض، والعاجز عن وضع حد لما يجري، والتفرج وكأن لا حيلة لها ولا قوة، لأن الوضع قد يخرج عن السيطرة، وعندها لا ينفع الندم».
ورأت المصادر «أن الجهات اللبنانية المعنية الرسمية السياسية والامنية لا يمكنها السكوت إلى الأبد عما يحصل في المخيم من أحداث، إضافة الى أن صيدا بكل مكوناتها قد تصرخ في وقت قريب مطالبة بوقف تلك الاعمال المشبوهة في المخيم، والتي بدأت تنعكس سلبا على عاصــمة الجــنوب خاصة، وتؤدي الى شبه شلل فيها على المستويات كافة، إضافة الى تأثيرها على الجنوب وعلى طريق مرور، وإمداد قوافل قوات الطوارئ الدولية «اليونيفيل» ذهابا وايابا على «الاوتستراد» الموزاي لمخيم عين الحلوة.
وامس، عقدت قيادتا تيار المستقبل والجماعة الاسلامية في الجنوب اجتماعا في مكتب الجماعة في صيدا شارك فيه النائبة بهيـــة الحريري، ومنســـق تيار المستقبل في الجنوب الدكـــتور ناصر حمود ، ورئيس جمعية تجار صيدا وضــواحيها علي الشريف، وعن الجماعة نائب الأمين العام في لبنان الشيخ محمد عمار، والمسؤول السياسي في الجنوب الدكتور بسام حمود. وخصص اللقاء للتداول في المستجدات السياسية والأمنية والشأن الصيداوي خاصة.
وأكدت الحريري اثر اللقاء «ان الموضوع الأمني هو الشغل الشاغل للجميع سواء ما حصل في مخيم عين الحلوة خلال الأيام الماضية من أحداث أدت الى شلل جزئي في المدينة، او ما حصل مؤخراً، واصفة كل ذلك بالإرباكات». وأشارت الحريري إلى انه جرى البحث في المواضيع التي لها علاقة بالسرقات والحرائق التي حدثت، مؤكدة «ثقتنا بالأجهزة الأمنية التي تقوم بدروها بعملية حفظ الاستقرار لأن دورها أساسي في أمن المدينة».
وبالنسبة لـ«الشوائب التي حصلت مؤخراً على الساحة الصيداوية، والتي كادت ان تؤدي الى فتنة» أشارت الحريري إلى أن المجتمعين أكدوا تمسكهم «بالاستقرار مع الحرص على ان تبقى المدينة تنعم بالهدوء».
وقالت الحريري «لا أحد مطمئن، والوضع دقيق، وهذه الدقة يجب ان نواجهها بمزيد من التواصل حتى لا تعكس نفسها في كل شارع»، مؤكدة «أن هناك إرباكاً عاما، ونتمنى أن تمر هذه المرحلة على خير، ونحن مقدمون على مرحلة أعياد، ومدينتنا هي مدينة للعيش المشترك، ومدينة منفتحة على محيطها ومتمسكة بهذا التنوع الموجود».
من جهته، أشار الدكتـــور بسام حمــود إلى وجود «استـــهداف واضح للأمن في صيدا ومحيطها وفي المخيم خاصة، وقد تمثل ذلك بالعديد من المحطات التي تثير الشبـــهة، وأنتجت حالة من الإرباك وعدم الاستقرار». وأكد حمود أن الأطراف الصيداوية تتعامل مع ما يحصل «بمسؤولية عالية حرصا على الأمن والاستقرار وعلـــى السلم الأهـــلي»، مشدداً على أن «الموضوع يتطلب حرصا مشتركا من كـــل الاطراف لكي نستطيع أن نجتاز هذه المرحلة الخــطيرة التي تعم المنطقة، والتي نرى انعكاســـاتها على لبنان عامة، وعلى صيدا والمخيم من خلال الكثير من الأحداث الأمنية المشبوهة التي تحصل هنا وهناك بهدف النيل من صيدا والمخيم واستقرارهما».